مقال للدكتورة رباب حسين العجماوي
ماذا نعرف عن تاريخ الهند؟ وماذا نعرف عن علاقة الهند بالإسلام؟ وإن كان هناك حكام مسلمون بالهند أم لا؟ هل نعرف كم ديانة بالهند؟ والسؤال الأهم هل تعرفون أن الإسلام بالهند هو ثاني أكبر ديانة هناك؟ ما عدد المساجد هناك؟ ما طراز تلك المساجد؟
ما لغة الأفلام الهندية؟ ولماذا يكتبونها هكذا؟ إجابة هذه الأسئلة وأكثر توضح صورة أكبر عن الهند وعلاقاتها بالإسلام والمسلمين، كما أنها توضح ما أثير مؤخرا من موجة عنف طائفية ليست الأولى -من قبل الهندوس المتشددين- بأعيرة نارية وقع على إثرها ضحايا من الشهداء المسلمين، كما أن إجابتها تفسر الصور المتداولة عن المسلمين الهنود في الدراما الهندية ذاتها، وفي الدراما الإنجليزية والأمريكية على حد سواء.
لن أتطرق في هذا المقال عن الخلفية التاريخية والدينية للهند، وكذلك لن أتناول علاقات الهند عالميا بالدول الإسلامية منذ سابق العهد وحتى اليوم، وبالتالي لن أتطرق للعلاقات المصرية الهندية؛ بل سأركز اليوم على الصورة النمطية للشخصية المسلمة الهندية في الدراما، فدعونا نتعرف على هذه الصورة المتداولة عالميا عن مسلمي الهند! في هذه السطور سنفرق بين الممثلين المسلمين وتنميط أدوارهم، والصورة المتداولة عن المسلمين الهنود في الدراما؛ فتنميط المسلمين الممثلين في أدوار معينة ليس موضوعنا اليوم، دعونا نركز على صورة المسلمين الهنود كما يتم تقديمها في الدراما أولا على المستويين الهندي والعالمي. فلنبدأ!
دعونا نتحدث أولا عن أدوار المسلمين الثانوية والهامشية في الأفلام الهندية:
منذ نعومة أظافري وأنا أتابع الفيلم الهندي المذاع على القناة الثانية المصرية أسبوعيا الساعة الثالثة عصرا، قبل أن ندخل عصر الفضائيات، كان موعد هاما بالنسبة لي، وكنت أجلس أمام الشاشة وكأنها جزء مني، لا أرى ولا أسمع غيرها، وأتخيل هذا العالم الهندي الجميل… لم تكن السينما الهندية تمثل المسلمين بشكل كبير لكن “أميتاب باتشان” دائما ما يحافظ على صورته في أنه المدافع عن حقوق الغير كالمسلمين وهم أقلية هناك والأرامل الهندوس الآئي يتم حرقهن، الأمر الذي دفع الكثير من المصريين للاعتقاد بأنه مسلم أيضا، ولهذا ستجد المسلمين ممثلين في أفلامه التي غالبا ما يكون فيها شخصية المسلم بإسم “أكبر”، وفيها سنجد المسلمين فقراء شرفاء متمسكون بمظاهر العقيدة وليس ببواطنها، ويلبسون بطريقة معينة، غالبا ما يقولون “سبحان الله” و”لا إله إلا الله” و”الله أكبر” والتي نجدها تترجم من الإنجليزية للعربية بطريقة خاطئة أو معكوسة، وستجد أن البوذيين والهندوس هم دائما على حق وأن المسلم يؤكد ذلك في النهاية، فينتصر في النهاية من دون المسلمين؛ فهو يحب السلام والتعايش بسلام، وهو الفكر الذي يميل إلى تبنيه “أميتاب”.
في فيلم”أمار.أكبر.أنطوني” 1977م سنجد ثلاثة إخوة تفرقهم الظروف وكل منهم يعيش مع أسرة تدين بديانة منهم “أكبر” هذا الذي يدين بالإسلام وكان يمتهن الغناء، لكن الإخوة تغلب على الدين في أفلامه، وكأنه الانصهار الاجتماعي ويتجمعون في النهاية، وتبقى الصدارة للأخ الهندوسي الذي يبحث عن إخوته، لكن مبدأ التعايش السلمي الذي نجده في أفلام “أميتاب” غالبا ما يغفل تعدي الهندوس على المسلمين -وكأي أقلية لا يسمح لها بالرد الملائم حتى كفكرة؛ فتعيش جزءً من حياتك في كفاح، كفاح لدرأ المفاهيم المغلوطة، وكفاح ضد العنف المسلح الذي يتموج في الهند ولا يصمت إلا قليلا. أنا أعشق أفلام “أميتاب” وحينما حضر إلى دار الأوبرا بالقاهرة كنت ممن سارعوا للحضور، لكن هذا لا يمنعني من قول الحقيقة.
ليس “أميتاب” الوحيد قدم الشخصية الهندية المسلمة في أفلامه والتي غالبا ما يكون لها تأثير إيجابي على شخصيته في الفيلم، هناك العديد من الأفلام التي تجسد الهندي المسلم على أنه دائما ما ينتمي إلى حي فقير ونادرا ما يكون طموحا، يجيد السلاح، ويتبع قائدا مسلما إرهابيا متطرفا، في فيلم هندي يحكي عن فنرة استقلال باكستان وما بعدنا نجد البطل يحصل على البطلة الهندوسية كـ”ملكة يمين” في قرية على المنطقة الحدودية فهي من غنائم الحرب أو هكذا اعتقدت، لكنه لم يجبرها على الزواج منه ولا على إعتناق الإسلام؛ فقط يحاول أن يجبرها على العيش معه! وكأنه يريد أن يحافظ على ماء وجهه في الحي هناك، إلى أن تستسلم لترى العالم بعينيه، وبالطبع هي لا ترضى بهذه الحياة في باديء الأمر، تدور الأحداث وتعيش هي حياتها الرثة بين المسلمين الفقراء في ذل وترى زوجها المسلم -وبالطبع أرغمتها الظروف هكذا على ترك بنتها بعد أن مات زوجها الهندوسي- بعدها تدرك الأمر، لقد كان زوجها هندوسي متعصب قتل العديد من المسلمين ومن ضمنهم أخت البطل، فكان عليه الرد، لكنها تريد أن ترى ابنتها مرة أخرى، في هذه الأثناء يحاول القائد المسلم الشرير تفجير الهندوس العزل من النساء والأطفال وحينما يقف له البطل يأخذ رهائن بالمسجد ويفكر أن يفجرهم هناك.
وفي نهاية الفيلم تأتي منظمة عالمية سلمية لتلم شملها مع ابنتها، وتنقذها من براثن المسلمين، فالحرب دائرة والمناوشات كذلك، تختار في النهاية زوجها المسلم بعد أن يتصدى للقائد الإرهابي، ويثير هذا الفيلم العديد من التساؤلات؛ هل ما زالت حتى الألفينات تعد المرأة من غنائم الحرب في الهند؟ أو ما زال هناك ملكة يمين؟ هل المسلمون هناك ما زالوا يقومون بالغزوات ضد غيرهم من الهنود؟ هل مجرد التفهم القاصر على الزواج يدعو للتعايش السلمي؟ هل لو ظلت على دينها -والبطل يريد أن يتزوجها على سنة الله- ورسوله يعلم أن هذه الزيجة تحرم؟ أم ماذا؟
أيضا في فيلم “باجرانجي بهايجان” 2015، وهو فيلم كوميدي سياسي، نجد البطل “سلمان خان” يعثر على فتاة لم يعرف في بداية الأمر أنها مسلمة نظرا لأنها بكماء، لكن ملابسها لا تدل على خلفيتها الاجتماعية، يحاول أن يعثر على والديها ليكتشف فيما بعد أنها من باكستان ضلت الطريق، هو فيلم يحمل هدفا ساميا لمواجهة المناوشات الدائرة بين الهند وباكستان واللتان كانتا في يوم ما بلدا واحدا، ولهذا نجده نباتيا لا يأكل اللحم… وفي حي شعبي تستضيف عائلة مسلمة الفتاة على المائدة لتأكل معهم الدجاج، وهويحاول وخطيبته أن يجدا والداها لكنها تسربت من بين أيديهما لتأكل الدجاج، فجأة دخل للبيت دون إستئذان في حركة فكاهية نحو ثلاث مرات لأخذ الطفلة والأخيرة أخذها وأغلق الباب! بعدها أخذ الطفلة في حي شعبي آخر يقدم الدجاج ويغني لها علّها تسر وهووخطيبته لا يأكلان بالطبع، يجوز أن تكون هذه هفوة لكن أين حرمة بيوت المسلمين؟! ولمّ يسكن المسلمون الأحياء الشعبية والفقيرة فقط؟
أما الآن فسنتحدث حول الأدوار الرئيسية للهندي المسلم في الأفلام الهندية:
بينما في فيلم “قربان” 2009، يحكي الفيلم قصة حب تنشأ بين أستاذين جامعيين تنتهي بالزواج يسافرا لنيويورك للإقامة لتكتشف “كارينا كابور” أن زوجها “سيف علي خان” من مسلمين متطرفين إرهابيين هو وكل الحي الذي تسكن فيه، الكل يحاول أن يقوم بعملية إرهابية ضد المدنيين المسالمين، وتجد أنه لولا حب زوجها لها لتخلصوا منها هي أيضا، يحكي الفيلم أن الإرهاب لا يفرق بين المتعلم وغير المتعلم وأن هؤلاء المتطرفين يأخذون التمويل من مثل هذه الجماعات، وهو ما يؤكد على نظرية أن المسلمين الهنود ليس أمامهم فرصة للغنى، وأن التطرف في العقيدة قد يصل إلى أي شخص، ولأنها خارج الهند تستعين بالقوات الأمريكية، وتظهر فكرة الرجل الأبيض المنقذ من الإرهاب والسادية، وهو ما يتماشى مع ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ثم في فيلم “My Name is Khan” 2010، جاء البطل مسلم هندي مصاب بمرض التوحد لكنه يأخذ قراره للعيش خارج الهند وحده! وبالطبع فإن مرض التوحد له درجات، لكن أمه إمرأة بسيطة تقبع معه في حي هندي بسيط، ولا أعرف لمَ دائما تظهر بوليوود الهنود المسلمين فقراء أو معدمين!
يذهب للندن ليقابل فتاة هندوسية يحبها وتحبه ويتزوجها رغم كل ما يلقاه من معارضات، وطبعا يحاول أن يظهر أن الإسلام دين سمح، وحقيقةً إن قرأت ما يقولوه النقاد ستجدهم يرتؤن أن هذا الفيلم موجه خصيصا للهنود في محاولة لتقبلهم لأولاد “شاه روخ خان” فهو في حقيقة الأمر قد تزوج من هندوسية في الواقع، وهذا الفيلم يأتي تبريرا لما فعله.
نأتي إلى الفيلم الشهير “جودها.اكبر”2015، ذلك الفيلم الذي يتناول قصة أبو الفتح جلال الدين محمد الملقب بـ”أكبر”، وهو من سلاطين دولة المغول الهندية، كان أميّا لا يجيد القراءة والكتابة وكان يريد التعايش بسلام؛ فتزوج من هندوسية ليس هذا فحسب لم يكن يجيد الحنكة والإمارة التي تعلمها من “جودها” زوجته! ولأنها سابقة أن يتزوج مسلم من إمراة ليست من أهل الكتاب صارع المسلمين الهندين آنذاك، لن أتحدث هنا عن إنتقاء المكياج الذي يظهر كل المسلمين بالفيلم بشكل إجرامي واللون الأسود الذي كانوا يلتحفونه، ولا الحجاب غير الكامل للمسلمات، ولا المكائد التي لجأوا إليها وهي بعيدة كل البعد عن حقيقة الإسلام ولا الهفوات والسقطات التي ألصقها الفيلم بالعقيدة؛ لكنني سأتحدث بالتفصيل عن اختيار الهنود لهذا النموذج خصيصا لتقديمه للمشاهدين المسلمين في العالم أجمع، لقد اختاروا أكبر الذي لم يتزوج بالمناسبة من إمرأة واحدة بل تعددت زيجاته، وتعددت مِلات زوجاته لتوسعة نفوذه، أما عن شخصه فهو مسلم بالميلاد وتربى في أول الأمر بإيران وليس كما يشاع عنه أو كما بالفيلم على أنه ولد في كنف أسرة هندوسية، كان جلال الدين أميا لكنه أجاد السلاح وركوب الخيل ولأسباب يطول شرحها لم يجد الفرصة للتعلم، الأمر الذي جعله ينبهر بالفلاسفة وعلماء الكلام، فكان في بداية الأمر مسلم متصوف ثم قرب منه الصفويين من الشيعة الإيرانيين وتشيع هو نفسه بعد ذلك، لكنه فيما بعد ابتدع دينا جديدا –أي خرج عن الإسلام- بعد أن آمن بالألفية، وهم أناس يدّعون أن الإسلام يصلح لألف عام فقط، ابتدع دين أسموه الدين الإلهي وهو خليط من الأديان بما فيها الإسلام، وقد أمر كل من يجلس إليه في بلاطه بالسجود وهو أمر منهي عنه في الإسلام، كما أنه أمر بأن يقال اسمه في الشهادة بدلا من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟! أي أنه والكل قذفه بالزندقة.
حاول أكبر أن يقرب منه الهندوس وباقي المِلل على حساب المسلمين حتى أنه -في عصره- من جهر بإسلامه عرض نفسه للقتل، أيعقل أن يكون رجلا يدعو للحرية المذهبية إلا حرية المسلمين؟! كما أنه في عهده إزداد نفوذ الإنجليز، كل هذا يثير تساؤلا مهما لمَ تقدم السينما الهندية مثل هذا النموذج للهنود أنفسهم ولغير الهنود؟!
الخلاصة أن السينما الهندية غالبا ما تختزل سيناريو التعايش السلمي بين الهندوس وأكبر أقلية هناك –المسلمين- بالزواج الذي تحرمه الشريعة الإسلامية ذاتها! وتحاول تمريره في أكثر من مناسبة، كما أنها تقدم الأفلام باللغة الأوردية ولهذا نجد الكثير من الكلمات العربية والتركية والفارسية والإنجليزية عند مشاهدة الأفلام الهندية، لكنها لا تكتبها بالحروف الأوردية –تشبه العربية وتزيد عليها- بل تكتبها بالهندية، ومؤخرا أصبح يغلب عليهم استخدام الكلمات الإنجليزية، وإن اختلفنا أو اتفقنا مع هذه الصورة؛ فإنها تنمط الصورة الإعلامية لمسلمي الهند وتجعل هناك صورة ذهنية ضبابية عنهم؛ خاصة وأن الهنود بعيدين عن البلاد المسلمة إلى حد ما، ما يجعل المسلمون العرب لا يعتقدون أن المسلمون الهنود يعرفون دينهم!
في فيلم هندي آخر كان معروضا على Mbc Bollywood، نجد شابا هنديا مسلما طموحا جاء من قرية ليعيش بالعاصمة بعيدا عن أسرته، حيث كان يعمل عملا مكتبيا، يعجب بفتاة هندوسية يهتم لأمرها ويحبها كما يهتم بعمله؛ ويهمل دينه تماما، فهو مدني وليس متدينا، وهنا تأكيد أيضا على الأصول القروية للمسلمين.
حقا قبل أن أكتب المقالة لم أكن أتخيل أن هذه هي الصورة المروجة عن المسلمين الهنود، لكن مهما كانت هفوات “بوليود” ستظل دائما مصدر استمتاع حقيقي.
اترك تعليقاً