كانت ولا تزال إذاعة القرآن الكريم إذاعة رائدة، لها متابعوها في العالم العربي والإسلامي حتى الآن، والتي نفخر بها –نحن المصريون- بأنها الإذاعة الأولى من نوعها، وتتفرد إذاعة القرآن الكريم بقرائها القدامى الذين اهتز لأصواتهم قلوب المسلمين بل وغير المسلمين وقلوب العرب وغير العرب لعذوبة اللحن وجمال الأداء، ولا تزال الإذاعة متفوقة على مثيلاتها بالتسجيلات النادرة التي لن تجدها لكبار القراء إلا لديها وبجودة عالية، ليس فقط على مستوى قراءة القرآن والإنشاد الديني بل لقد جعلوا من الآذان نداءً عذبا يشحذ المسلمين لأداء الفرائض، وتميزهم بالسبع قراءات بالإضافة لعذوبة الصوت، ثم أُدخل إلى الإذاعة برامج الحديث والفقه وغيرها وأخيرا وليس آخرا الدراما والإعلانات على سبيل التجديد، فهل هذه التجديدات وغيرها جاء في مصلحتها؟ لقد توجب علينا أن نأخذ ملاحظنا الخاطفة في سطور أتمنى أن يكون لكم معها وقفة، ولا أدعو بهذه السطور التوقف عن متابعتها أو التمادي في تفخيم آدائها، فدعونا ننظر سريعا!
أولا: على مستوى الإذاعة والتقديم:
إن استمعنا إلى إذاعة القرآن الكريم سنجدها تستخدم الفصحى كمستوى لغوي نفترض فيه سلامة اللغة وصحة الأداء، كما نفترض عذوبة الصوت وحضور الذهن وسرعة البديهة لدى المذيعين، غير أن لنا وقفة سريعة حينما نجد مَن من مذيعي الفترات الذين لا يتقنون اللغة ولا علامات إعرابها فيلجئون لتسكين الكلمات أو يرفعونها بعلة وبغير علة، كما أنهم لا يستطيعون أن يذيعوا فترة كاملة دون أخطاء الارتجال والتكرار بطريقة تستفز المستمع فالراديو وسيلة تعتمد على الأذن ولا سبيل آخر لمعرفة الرسالة الاتصالية المذاعة؛ فما يخرج من فمك لا يمكنك استعادته مرة أخرى، كما تعتمد الإذاعة الصوتية على الكلمة الوصفية التي نفتقد إليها في هذه الإذاعة حاليا، فحينما لا تعد ما تقرؤه ولا تذاكر جيدا كمذيع كذلك عدم معرفتك لطبيعة إمكانات الراديو فإن هذا يسيء كثيرا إلى الإذاعة -التي من المفترض أنها اخترتك بعناية، كذلك نجد منها المذيعين والذين لا يدركون مخارج الحروف الصحيحة فتتشابه الحروف مما يمثل تشويشا على أذن المستمع، كما نجد أصواتا ليست عذبة بالضرورة.
وإن تحدثنا عن المحاورين فحدث ولا حرج، لن تجد أي من المحاورين من يعطي فرصة للضيف لإبداء رأيه أو رأي الفقهاء أو الإجابة عما سئل، بل وأحيانا يلاحقه باللزمات مثل آآآآآ، آآآآآآآآآآآآه، إمممممم… وهي آفة الإذاعة، ولا أدل من مذيع يسأل ويجاوب هو دون فرصة للضيف، كذلك فإنهم لا يعرفون متى يتدخلون عندما يتحدث الضيف بكلمات اصطلاحية يصعب على المستمع الفهم معها، باختصار لا نجد منهم من هو مؤهلا للمحاورة.
وهناك ما يدعى التأدب في اللغة فحينما ندعو بالخير نذكر أنفسنا في آخر الأمر لكن أجل ما يستفزني حينما يأتي مذيع ويقول: “غفر الله لنا ولكم ولفضيلة الشيخ ….” فهنا خطأ إذاعي فادح لا يليق ولا يغتفر فالأولوية للمستمع دائما وإن كان البرنامج لشيخ فيجب الدعوة له ثم للمشاهدين والتذييل الأخير للمذيع والذي جمع نفسه في غير تواضع وبشكل لا يصدق ومتكرر.
على مستوى الإعداد والتخطيط البرامجي:
لابد وأن نعلم أن آيات القرآن الكريم هي كلمات ورسائل من الله سبحانه وتعالى إلى عباده هذه الرسائل كتبت بوحي من الله وقُرأت بضبط محكم؛ فلا يجب أن تكون تترا لبرنامج صباحي (سورة الفاتحة من الآية الأولى وحتى نستعين) ولا يجوز قطعها بنهاية مدة الإذاعة؛ فلا معنى لخمس دقائق من القرآن تليها عشر دقائق من آيات أخرى، كما لا يجوز قطع الآية قبل اكتمالها -نظرا للتجويد أحيانا والذي يطيل من قراءة الآية الواحدة، كما لا أجد مبررا لإذاعة آيات العذاب الساعة السابعة صباحا وهي من ساعات الذروة، كما أنه لا معنى من محاورة ضيف حول مسألة شرعية سوف يتحدث عنها برنامجا تاليا خاصة وإن كان أحد هذين البرنامجين من البرامج القديمة المعاد بثها بعد سنوات من التسجيل والإذاعة.
وبالنسبة لتكرار الرسالة الإعلامية من خلال وضع مقدمة تعيد ما يقوله الشيخ في برنامج ما أو حديث معين، فهو أمر لا مبرر له عندي إلا لتوسعة دقائق البث الإذاعي وهو شيء لا يضيف بل يضعف من ظهور المذيعين، وهو قصور في الإعداد أيضا، دعونا نتحدث عن الجمهور المستهدف الغير محدد خصائصه لدى المعد تماما فحينما نتحدث عن برنامج لشرح الحديث للعامة بكلمات أعقد مما استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم وحينما نجيب عن تساؤلاته الفقهية بالعديد من المذاهب ثم نعقبها بالرأي الراجح، فهو ما يدل على خلل في التعرف عمن نرسل إليهم هذه الرسالة؛ فبهذا يتوه المستمع تماما بين المذاهب ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل! والمطلوب تبسيط الرسالة في الأولى وعكس الرسالة في الثانية بذكر الراجح ثم نعقبه باللآراء الأخرى.
وهناك أربعة شروط لاختيار الضيوف أولها التخصص وهو المعيار الأول للاختيار، تليه المهارات الاتصالية وهنا لابد وأن يكون الضيف قادرا على إيصال المعلومة للمستمع، كذلك الإتاحة أي أن الضيف وقته يسمح بالإذاعة وأخيرا قبول الجمهور له، لكننا نجد نفس الأصوات يتكرر وهو ما يبعث على التساؤل: لم حصر الإذاعة لهؤلاء الضيوف؟!
على مستوى الإخراج والدراما الدينية:
للأسف لا يوجد مكان للإخراج الإذاعي سوى في الدراما بشكل كبير وللأسف كنت أول من نادى بإدخال الدراما الدينية على تردد الإذاعة لكن الإخراج والتمثيل جعلوا الندم يدب إلى قلبي بل والنص الدرامي نفسه؛ فعناصر الصوت تتكاتف معا لتكون الصور في الأذهان وهي الصوت البشري (هنا صوت الممثلين) والموسيقى والمؤثرات الصوتية الطبيعية والصناعية كذلك الصمت وهو العنصر الرابع الذي يغفل عنه الكثيرون، لما له من معاني كثيرة قد يؤثر سلبا أو إيجابا على الرسالة، وهنا نجد أن المؤثرات الصوتية جميعها متأخر لأكثر من ثانيتين وهو زمن كبير في الإذاعة خاصة وإن كان غير مبرر، كما لم تراعى الدقة في كتابة النص وكان الأداء التمثيلي مبالغ فيه لدرجة غير معقولة، فهناك فرق بين التمثيل الإذاعي والتمثيل المسرحي لم يتعرفوه.
الإعلانات والاستجداء:
لا أعلم هل هي رسائل للإستجداء أم إعلانات محترفة؟ ولا أعلم كيف لها أن تختلط بالمواد المذاعة بهذا الشكل؟ فمن يقدم الإعلان هو هو مذيع الفترة، كذلك لا يوجد مستوى لغوي واحد وهو خطأ إذاعي فادح أي التأرجح بين الفصحى والعامية، وهو ما يجعلنا نثير هذه النقطة التي تستفز الكثيرين، فما الغرض من هذه الإعلانات؟ ولمن تبغي التأثير عليهم بهذا الطريقة غير الاحترافية؟
التجديد وتدفق الأصوات:
أصبح التجديد الصوتي على مستوى الإذاعيين وقراء القرآن والمنشدين والضيوف مطلبا ملحا فقد شاخت هذه الإذاعة وحُفظ كل ما عرض على ترددها وما سيعرض ولم تعد تشبع احتياجات جماهيرها، فنحن لا نسمع أصوات جديدة سوى عند نقل شعائر آذان الفجر للأسف هي بدورها أصوات تحصر في جامع بعينيه أو جامعين وهو ما يثير تساؤلات عدة.
اترك تعليقاً