إرث العائلة

كنت قد استمتعت بطفولة هادئة ملؤها التفكير والقراءة -والحمد لله، معتقدة أنني من الفراعنة هؤلاء الأجداد الذين عاشروا سيدنا موسى ليوقف تجبرهم، وبهذا عشت مقتنعة فترة حتى قرأت أن الفراعنة غامقي البشرة، هنا كان علي البحث عن أجدادي الحقيقيين، سألت كل فرد في العائلة وقد كنت في عمر الثانية عشر تقريبا؛ كان جل ما يشغلني أنني حين درست الأجناس في العالم أن عائلتي بها الثلاث أجناس، لكن صدمتي أنني لم أكن فرعونية جعلتني أبكي لأيام، وقد أحسست أنني لا بد وأن أنتمي لهذه البلد التي أعشقها أكثر من نفسي، بكثير من القراءة والبحث علمت بأن جدايّ من عائلة أمي وأبي من الأتراك، فخر آخر أنشده فقد كانت عائلتي من سلالة الشيوخ الأزاهرة -والحمد لله- وكان لجدي قصة…

منذ قرون وحين كان جدي الكبير لأبي رجل علم وطالب أزهر قديم وكان السلطان برقوق يقرب إليه العلماء أعطى لجدي أرض وزوجة في الفيوم كانت أرضا شاسعة وزوجة صالحة والحمد لله، ترك جدي العيش بتركيا واستوطن مصر وأنجب هنا وغير اسمه لـ “محمد العجماوي” والعجم هي كلمة في اللغة العربية تعني الأجنبي، وكان معه شخص آخر أسس عائلة بدوره سمي بـ “عجمي”؛ ولهذا تحولت اسم القرية إلى “العجمييّن” وبمرور الوقت حرفت للـ”عجميين”.

كان علّي أن أبحث عن اسم جدي الأكبر؛ الاسم التركي الذي تركه علّني أجد أهلي ممن تركهم هناك بتركيا؛ وتساءلت أين أجد هذه المعلومة، فجاوبني أبي أنه قراءها بـ”الجمعية الجغرافية” لكنها احترقت مخلفة تساؤل بلا إجابة، وهو ما اسم جدي الأكبر الحقيقي؟!

عندما تمت إذاعة حلقات المسلسل “أرطغرل” كنت أرى أجدادي الذين لم تسنح لي الفرصة أن أقابلهم، أرى كيف يفكرون، وكيف يتعاملون، وحينما علمت بأن عرق الترك هو عرقي وأن النعرت ما أدخلها سوى الاحتلال إلى بلاد الإسلام، قررت أن أعرف أكثر عن الأتراك والكازاخ والأوزباك، وتمنيت لو نكون أمة واحدة مرة أخرى بلا إعلاء لأحد على أحد؛ متساوون جميعا؛ بل أحلم بعالم متحد على كوكب واحد يتشاركون الهواء والمأكل والفكر، يختلفون في اللغة واللون، لكن هيهات لهذا الحلم أن يتحقق؛ فلكل مصالحه التي يعمل من أجلها فرادى.

#رباب_العجماوي